سورة محمد - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} امتنعوا عن الدخول في الإِسلام وسلوك طريقه، أو منعوا الناس عنه كالمطعمين يوم بدر، أو شياطين قريش أو المصريين من أهل الكتاب. أو عام في جميع من كفر وصد. {أَضَلَّ أعمالهم} جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر، أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن، أو ضلال حيث لم يقصدوا به وجه الله، أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله.
{والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم. {وَءَامَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيماً له وإشعاراً بأن الإيمان لا يتم دونه، وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله: {وَهُوَ الحق مِن رَّبّهِمْ} اعتراضاً على طريقة الحصر. وقيل حقيقته بكونه ناسخاً لا ينسخ، وقرئ: {نَزَّلَ} على البناء للفاعل و{أنزل} على البناءين و{نَزَلَ} بالتخفيف. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} سترها بالإِيمان وعملهم الصالح. {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد.
{ذلك} إشارة إلى ما مر من الإِضلال والتكفير والإِصلاح وهو مبتدأ خبره. {بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءامَنُواْ اتبعوا الحق مِن رَّبِِّهِمْ} بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق، وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيراً. {كذلك} مثل ذلك الضرب. {يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ} يبين لهم. {أمثالهم} أحوال الفريقين أو أحوال الناس، أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكفار والإِضلال مثلاً لخيبتهم واتباع الحق مثلاً للمؤمنين، وتكفير السيئات مثلاً لفوزهم.
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ} في المحاربة. {فَضَرْبَ الرقاب} أصله فاضربوا الرقاب ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر، وأنيب منابه مضافاً إلى المفعول ضماً إلى التأكيد والاختصار. والتعبير به عن القتل إشعاراً بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن، وتصوير له بأشنع صورة. {حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ. {فَشُدُّواْ الوثاق} فأسروهم واحفظوهم، والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به. {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء، والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإِطلاق وبين أخذ الفداء، وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإِمام بين القتل والمن والفداء، والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق. وقرئ: {فدا} كعصا.
{حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم. وقيل آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم، وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم. وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام {ذلك} أي الأمر ذلك، أو افعلوا بهم ذلك. {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ} لا نتقم منهم بالاستئصال. {ولكن لّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر. {والذين قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله} أي جاهدوا، وقرأ البصريان وحفص {قَتِلُواْ} أي استشهدوا. {فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} فلن يضيعها، وقرئ: {يُضِلَّ} من ضل ويضل على البناء للمفعول.


{سَيَهْدِيهِمْ} إلى الثواب، أو سيثبت هدايتهم. {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}.
{وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به، أو بينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق، أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة، أو حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة.
{يَأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله} إن تنصروا دينه ورسوله. {يَنصُرْكُمُ} على عدوكم. {وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} في القيام بحقوق الإِسلام والمجاهدة مع الكفار.
{والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ} فعثوراً لهم وانحطاطاً ونقضه لما قال الأعشى:
فالتعس أولى بها من أن أقول لَعَا ***
وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعاً، والجملة خبر {الذين كَفَرُواْ} أو مفسرة لناصبه. {وَأَضَلَّ أعمالهم} عطف عليه.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ الله} القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم، وهو تخصيص وتصريح بسببه الكفر بالقرآن للتعس والإِضلال. {فَأَحْبَطَ أعمالهم} كرره إشعاراً بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} استأصل عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم. {وللكافرين} من وضع الظاهر موضع المضمر. {أمثالها} أمثال تلك العاقبة أو العقوبة، أو الهلكة لأن التدمير يدل عليها، أو السنة لقوله تعالى: {سُنَّةَ الله التى قَدْ خَلَتْ} {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ} ناصرهم على أعدائهم. {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} فيدفع العذاب عنهم وهو لا يخالف قوله: {وَرُدُّواْ إِلَى الله مولاهم الحق} فإن المولى فيه بمعنى المالك.
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} ينتفعون بمتاع الدنيا. {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} حريصين غافلين عن العاقبة. {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} منزل ومقام.
{وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التى أَخْرَجَتْكَ} على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه، والإِخراج باعتبار التسبب. {أهلكناهم} بأنواع العذاب. {فَلاَ ناصر لَهُمْ} يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية.
{أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} حجة من عنده وهو القرآن، أو ما يعمه والحجج العقلية كالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. {كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} كالشرك والمعاصي. {واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} في ذلك لا شبهة لهم عليه فضلاً عن حجة.
{مَّثَلُ الجنة التى وُعِدَ المتقون} أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة. وقيل مبتدأ خبره: {كَمَنْ هُوَ خالد فِى النار}، وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد، أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإِنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويراً لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى، بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار، وهو على الأول خبر محذوف تقديره: أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو خالد في النار، أو بدل من قوله: {كَمَن زُيّنَ} وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريراً لإِنكار المساواة.
{فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاءٍ غَيْرِ ءاسِنٍ} استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف، أو خبر لمثل و{ءاسِنٍ} من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه، أو بالكسر على معنى الحدوث. وقرأ ابن كثير {أسن}. {وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} لم يصر قارصاً ولا حازراً. {وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ للشاربين} لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات، أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة. {وأنهار مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها. {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} صنف على هذا القياس. {وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} عطف على الصنف المحذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة. {كَمَنْ هُوَ خالد فِى النار وَسُقُواْ مَاءً حَمِيماً} مكان تلك الأشربة. {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} من فرط الحرارة.


{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} يعني المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه فإذا خرجوا {قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} أي لعلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم. {مَاذَا قَالَ ءانِفاً} ما الذي قال الساعة، استهزاء أو استعلاماً إذا لم يلقوا له آذانهم تهاوناً به، و{ءانِفاً} من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة، ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتاً مؤتنفاً، أو حال من الضمير في {قَالَ} وقرأ ابن كثير {أنفاً}.
{أُوْلَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه.
{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} أي زادهم الله بالتوفيق والإِلهام، أو قول الرسول عليه الصلاة والسلام. {وَآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ} بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم، أو أعطاهم جزاءها.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} فهل ينتظرون غيرها. {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} بدل اشتمال من {الساعة}، وقوله: {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} كالعلة له، وقرئ أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وانشقاق القمر فكيف لهم {ذِكْرَاهُمْ} أي تذكرهم {إِذَا جَاءتْهُمُ} الساعة بغتة، وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع.
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله واستغفر لِذَنبِكَ} أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاؤة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار {لِذَنبِكِ}. {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعي غفرانهم، وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر، فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى. {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها. {وَمَثْوَاكُمْ} في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم.
{وَيَقُولُ الذين ءامَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ} أي هلا {نُزّلَتْ سُورَةٌ} في أمر الجهاد. {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} مبينة لا تشابه فيها. {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} أي الأمر به. {رَأَيْتَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} ضعف في الدين وقيل نفاق. {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} جبناً ومخافة. {فأولى لَهُمْ} فويل {لَهُمْ}، أفعل من الولي وهو القرب، أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم.

1 | 2